عن أيامي, مايو 2023

تملأ أيامي هذه الفترة قوائم المهام, تقّلب رأيي اتجاه قرارات مصيرية, نوبات توتّر حادة, محاولات تحليل نفسيتي ونفسيات زملائي في العمل, والكثير من الوقت في السيارة والحافلة..

ممتنة لأيامي الممتلئة وأذكّر نفسي بصعوبة بداية كل مرحلة ممرت بها وكيف تجاوزتها وأصبحت ذكرى تُشعرني بالقوة وتحفزني, ولكنني أتساءل هل ما أشعر به مجرد خوف وقلق البداية أم أن هذا الشكل من الحياة بعيد عن ما أريده وأحتاجه حقًّا وأن علي أن أتدارك الأمر وأصحح خطواتي قبل أن يفوت الأوان… أشعر أنني أركض أحيانًا ولكنني أخشى أن يكون هذا الركض داخل عجلة هامستر فأتمهّل وأراقب خطواتي.. أتوقف.. أدير رأسي لأنظر في الاتجاه الآخر.. أنبهر وتكاد قداماي ألّا تلامس الأرض.. ثم أتسائل إن كان ما أرى مجرد “اخضرار العشب على الجانب الآخر”… أعود للسير.. تتخبط خطواتي… أشكو.. أبكي.. أفقد أعصابي.. أدعي وأستخير.. لو أستطيع الانسياب عوضًا عن السير..

منذ أيام.. سألتني طالبة عن دراستي وحياتي.. أجبتها باقتضاب.. وكم تبدو انجازاتنا مبهرة حين نتحدث عنها باختصار.. سألتني: كيف استطعت فعلها؟ هل خططت لكل ذلك؟.. أخبرتها أن الطريق يبدو مستقيمًا فقط حين ننظر له بعد أن قطعناه.. أحب الحديث مع الطلاب والتعامل معهم.. يشحنني ذلك بالرضا والحماس ويهوّن علي مهام عملي البعيدة كل البعد عن الأكاديميا.. لازلت أتعلم كيف أتعامل معهم بلطف ولكن بحزم أيضًا.. وأتلعثم حين أتحدث باللغة الانجليزية وأشعر أنّها تشدّ عقلي المليء بالأفكار وتقيّض لساني بجمل قصيرة ناقصة..

نجحت أخيرًا -بعد خمس محاولات- في اختبار ركن السيارة, لا زال أمامي اختبار قيادة السيارة في الشارع.. لكنني أشعر أنه انجاز يستحق الذكر.. بدأت بتعلم القيادة في دبي منذ نوڤمبر الماضي ويا لها من تجربة أشعرتني بالتواضع.. أنا التي لم تخفق في اختبار دراسي قط, شعرت بسعادة غامرة حين نجحت في جزء من اختبار بالرغم من رسوبي بالجزء الآخر.. أعتقد أنني أحتاج هذا الاخفاق ليس فقط “لتصغير رأسي” والتحلّي بالصبر والمرونة.. ولكن أيضًا لتعافي طفلي الداخلي الذي لم يعطَ الأمان ليخفق ويكون غير مثالي..

أهديت نفسي هذا العيد ورشة تدريبية عن وضع النجاة, كان عليها خصم جيّد فتشجعت لشراءها.. أحاول أن أقتطع وقتًا لها كل يوم.. تفاجئت وشعرت بالارتياح حين تعلمت أن عددًا من خصالي هي مجرد ردود فعل لوضع النجاة المُحفّز من قبل جهازي العصبي منذ سنوات.. سعيدة بهذه التجربة ولدي أمل بأنها ستساعدني كثيرًا.. أعتقد أن فكرة الراحة غائبة عن وعينا.. وأننا كجيل ونساء تحديدًا مرهقين جدًا ومهملين لصحتنا النفسية والجسدية وعلينا أن نتدارك ذلك وننشر الوعي حوله..

ماذا عنكم؟ كيف هو شكل أيامكم وأفكاركم؟ وما هي أحدث اهتماماتكم؟ سأكون سعيدة بمشاركتكم لها معي 🙂

27

اليوم صار عمري سبعة وعشرين! يمكن هاي أول مرة لا أشعر أن عمري أكبر ممّ أعتقد أو إنه يحمل “هيبة” كرقم جديد عليّ بالعكس حابة الرقم وحاساه مميز وبخليني أسأل حالي لو شافتني نسختي إللي عمرها 17 وإللي عمرها 7 شو رح يكون رأيهم فيي؟

يعني فكرة إني فعليًا بتذكر حالي مزبوط قبل (عشرين سنة) غريبة بس سعيدة لإني خلال هالسنين عشت حياة حافلة بالتجارب والاختيارات.. وبشعر إنه برغم إنه جزء كبير من حياتنا بتكون مجرد استجابة لأمور خارجة عن تحكمنا إلا إني بقدر أحكي بكل امتنان إنه امتلكت حياتي وقرراتي بدرجة راضية عنها، وإذا عندي أمنية عيد ميلاد رح تكون إني أشعر دائمًا بالاتساق والسلام مع ذاتي وما أقضي عمري ناقمة على الظروف أو نتائج اختياراتي وإني أضل دايمًا بنفس الروح إللي رزقني ربنا فيها وبحبها بكل ما فيها من نقص وضعف وقلة حيلة.

هالمرة ما بتمنى أكون نسخة أفضل من حالي -لأني أدركت إنه هالنسخة غير موجودة- ولكن بتمنى إني أستمر بالترفّق فيها والحلم عليها وأنا أسدد وأقارب بين ذلك وبين واجباتي وأهدافي وطموحاتي.. أصبحت أعي أنني لن أستطيع تحقيق الاتزان بين كل جوانب حياتي دائمًا وأريد أن أكون سعيدة وراضية بمجرد أن أستمر بالسعي مهما اختلف أو توقف حسب الظروف.. وأن يكفيني أن أعود للمحاولة بعد كل استراحة أو موجة حزن أمر بها.

أحب أن أتأمل وأحدّث نفسي كنوع من الاحتفال بعيد ميلادي وكنت أفعل ذلك سابقًا عن طريق كتابة رسالة لنفسي كل سنة لكن يبدو أنني لم أجد وقتًا لذلك في العام الماضي وهاأنا أفعل هذا هنا، لا يغريني أن أنشر احتفاء صديقاتي بي في هذا اليوم ليس لأنه تضاءل مع مرور الزمن ومروري أنا بين العباد والبلاد ولكن لا أعدّه مناسبة يحتفى بها بهذه الطريقة أو بطريقة جعل موظفيي المطعم بأن يضطروا للغناء لي وأن يتم نشر ذلك بدون أخذ إذنهم.. بالطبع من اللطيف أن نحظى بمن يحتفل لمجرد فكرة وجودنا في هذه الحياة وسعيدة وممتنة جدًا لوجود زوجي بجواري اليوم.

لست مع الاحتفال الصاخب بيوم الميلاد حتى للأطفال ولست أيضًا مع القسوة مع الذات في هذا اليوم -ولا في غيره-.. هناك نوع من الحزن الذي قد نشعر به في الأيام التي نعتقد أن السعادة يجب أن تغمرنا فيها ولإنها حين تأتي لا ترتقي نفسيتنا لتوقعاتنا فيها وبشكل غير واع نميل للشعور بالحسرة والحنين إما للماضي أو حتى لأيام في خيالنا فحسب، ولهذا نسأل “بأي حال عدت يا عيد” أو نعتبر مجرد إكمالنا لعام كامل من عمرنا مدعاة للإحباط من أنفسنا خصوصًا حين لا يتناسب عمرنا مع ما يتوقعه منّا المجتمع من إنجازات أو شكل معين للحياة.. يجب أن نؤمن بأن الرزق وفير وكرم الله واسع وليس مرتبط بعمر معين وفهم مسببات مشاعرنا مع تقبلها ربما سيخفف من متلازمة الحزن في عيد الميلاد.

كل مرة بيخطرلي أكتب تدوينة بفكّر بالفائدة إللي رح تعود على من يقرأها والنتيجة مجرد مسودات غير مكتملة، هالتدوينة مجرد توثيق بالنسبة إلي ونشرتها لإني بعد استغنائي عن تويتر من أكثر من سنة اشتقت للتعبير عن أفكاري بالبسيطة لناس ما بعرفوا مين أنا. بحمد الله على مكاني في الحياة الآن وعلى تحدياتي الحالية ويوم ميلادي كان فرصة مناسبة لتذكيري بنعمه عليّ. الحمد لله.

زينة العيد

مرحبًا يا أصدقاء! إن كان لازال بإمكاني دعوتكم بهذا بعد غيابٍ طويلٍ آخر..

على أية حال، أتمنى أن تكونوا بخير وفي أتمّ صحة وعافية! دارت في خُلدي فكرة بعد أن قرأت عدة آراء تدعوا للحذوا خلف زينة الكريسماس في أعياد المسلمين -وهذا ما بدأ يحدث منذ أعوام- وقررت أن أشاركها معكم..

إنّني أتفهّم وأحترم الاعتراض على فكرة المظاهر الاحتفالية بعيد الميلاد في بلادنا المسلمة بينما تغيب أو تظهر على استحياء في أعيادنا.. ولكن أعتقد أنها فرصة للتأمّل بحقيقة الاحتفال الصاخب لأعياد هي في صُلبها أعياد استهلاكيّة تقيم مراسمها شركات الدعاية والإعلان حتى كدنا أن ننسى أنّها من المفترض أن تكون أعياد دينية.
أمّا أعياد المسلمين ومناسباتهم فتدور في فلك مقاصد دينهم وتحتفي بقيم من صلة رحم وتكافل اجتماعي وحمد على تمام العبادات وغيرها.. والدعوة لأن نحذوا خلف مراسم أعيادهم لن تصنع البهجة التي تفقدها أعيادنا بل ستُشيئها وتثقلها بالزيف. هناك فارق آخر وجوهري بين أعياد الرأسمالية وأعياد الإسلام فأعيادنا للجميع.. للمقتدر الفَرِح بإيتاء الزكاة ولمن يفرح بأخذها، فلا يجب أن يدور العيد حول من وضع أكبر زينة وفتح فرع لشركة الكهرباء في واجهة منزله ولا من أعطى هدايا أكثر/أكبر لأطفاله دون إعطاهم فرصة لزرع قيم -أسمى وأثمن من كل تلك الهدايا- في نفوسهم.

هل أدعوا لعدم تزيين المنازل أو إعطاء الهدايا بالعيد؟ بالطبع لا.. ولكن فلتكن الزينة والهدايا شيئًا ثانويًا لا محوريًا في العيد، ولتحتفي أعيادنا بتعاليم الدين الذي أعطانا هذه الأعياد.. ولتكن بهجة العيد حقيقيّة مهما بدت بسيطة.

عن كتابة الأهداف

مرحبًا يا أصدقاء، رمضان كريم وكل عام وأنتم بخير وصحة وعافية. ربما ليس هذا الوقت الذي يتحدث فيه الجميع عن وضع الأهداف الشخصية فعادةً يكون هذا موضوع بداية السنة الميلادية ونهايتها حين يحكي الكثيرون بأسىً أو سخرية عن مآل قائمة أهدافهم. لكنني قد أعدت كتابة أهدافي في شكل لوحة رؤيا Vision Board منذ فترة وجيزة -نعم بعد مرور ثلاثة أشهر من العام- وقد جعلني ذلك أتفكر في هذا الموضوع وفي رحلتي معه.

أول قائمة أهداف كتبتها كانت منذ خمس سنوات.. أضحك حين أقرأ أهدافي بعد مرور هذه المدة وأتذكرني حينها..أمّا عن هذا العام كنت قد قررت ألّا أكتب أهدافًا بل كتبت نصًا في دفتري عن تطلعاتي من نفسي هذا العام ولم أخصص فيه أهدافًا محددة. حسنًا.. حب التخطيط والتدوين لدي لم يسمح لي أن أكتفي بذلك وكتبت أهدافي في شهر يناير. ظروف الوباء الذي نعيشه ورغبتي في التحرّر من الضغط الذي لطالما وضعت نفسي تحته كانا السبب وراء عدم تجهيزي لقائمة أهداف قبل بدء هذا العام، الجدير بالذكر أن ما مررت به خلال الأشهر القليلة الماضية ساعدني كثيرًا في توضيح رؤيتي لما أود وأحتاج تحقيقه. كل يوم وكل لحظة هي وقت مناسب لترتيب أهدافك وأولياتك.. فكرة بديهية ولكننا لا نهتم لها كما يجب😅

تعلمت من كتابة أهدافي على مدار الأعوام السابقة أنه بالطبع كتابتها لا تكفي ولا حتى الرغبة فيها، وأن هناك أهدافًا تستحق أن نمضي أعمارنا ونحن نحاول تحقيقها، في المقابل هناك أهداف في التخلّي عنها خيرٌ كثير.. أنّه من أجل تحقيق الأهداف بالطبع هناك الكثير من المجهود والمحاولات وانتهاز الفرص ولكن يقف خلف كل ذلك توفيق إلهي يجب أن لا نغفل عنه. وأن التحقيق أحيانًا أسهل بكثير من الاستمرار والمداومة على جعل الهدف محققًا.. هناك أهداف رحلة تحقيقها ستأخذنا لأمور لم تكن بالحسبان وأحيانًا لنسخ أنضج من أنفسنا تُغيّر رغباتنا وأولوياتنا. أنه من المهم أن تحوي قائمتنا على أهداف تخص كل جوانب الحياة، فلكل جانب أهميته وضرورته لحياة صحية طيّبة. أنّ علينا أن نسأل أنفسنا هل هذا حقًّا ما نريد وما يناسبنا أم أن هذا ما نشعر بالضّغط لتحقيقه؟ اسألوا أنفسكم هذا السؤال حتى وإن كان الهدف أمرًا اعتياديًا شائعًا مُتوقعًا منكم.

هل وضع وكتابة الأهداف أمرٌ مجدي؟ أم مجرد سبب آخر للإحباط وجلد الذات؟ عند الحديث عن الأهداف قد يتصوّر البعض أن الأهداف يجب أن تكون ضخمة وكبيرة أو يفكرون بالقمة فقط والنتيجة النهائية وما بعدها متناسين أكوام الخطوات والمحاولات أسفل تلك القمة. في الواقع، إن أي أمر مهما صَغُر شأنه ولكنك تود تحقيقه أو إضافته لحياتك هو هدف مهم وقد يكون تأثيره عليك أعظم ممّا تتخيّل ولا يجب أن تستهين به. كما أن أي هدف كبير هو مجموعة من الأهداف الصغيرة التي تتراكم لتوصلك له. أعتقد أن ما يجعل وضع الأهداف أمرًا محبطًا هو عدم فهم الذات بما يكفي. من المهم أن تكون مدركًا لحقيقة دوافعك وما تود إنجازه أو الوصول له.. كما أنّ وعيك بظروفك وإمكانياتك أمر لا يجب أن تغفل عنه عند التفكير بأهدافك.. إن وضع الأهداف يجب أن يساعدنا على أن نعيش حياتنا بوعي ولا نضيّع أيامنا دون بوصلة لتوجيه جهودنا وما وهبنا الله من نعم وقدرات وأفكار خلّاقة، أما إن أصبح مصدرًا للقلق والضغط فيجب علينا أن نُراجع أنفسنا وقوائمنا ونعقد صُلحًا مع واقعنا حتى لا تتحوّل رحلتنا في تحسينه إلى عكس ذلك. مقارنة قوائمنا السابقة والحالية تساعدنا في هذه المراجعة وإعادة ترتيب أولوياتنا.

من أجمل الطرق لترتيب الأهداف هي لوحة الرؤيا، أصل الفكرة هو وضع صور أو رسومات تمثّل أهدافنا ولكنني طبقتها بطريقة مختلفة حيث قسّمت صفحة في أجندتي لأربع أقسام لأربع جوانب في حياتي أريد تحسينها منها الصحة والتعلّم الذاتي.. وتحت كل عنوان كتبت عدة أهداف باختصار ولكن بوضوح.. على خلاف كتابة الأهداف على شكل قائمة ما أعجبني في هذه الطريقة أنها تضع كل أمر أود تحقيقه بنفس الأهمية فصحتي لا تقل أهمية عن رغبتي بالتعلم أو القراءة مثلًا..

لفتتني آية {لِسَعْيِهَا رَاضِيَة} وأنا أتلو سورة الغاشية في صلاتي في نفس اليوم الذي أعدت فيه كتابة أهدافي.. كم هو عظيم هذا الشعور الذي يصف حال أهل الجنّة.. إنّ إدراك أننا سنُجزى عن سعينا في الآخرة فيه من العزاء ما يكفي لنستمر في محاولاتنا مهما كانت النتائج.. أسأل الله أن نكون ممن رضوا عن سعيهم حينها. شاكرة لقرائتكم.

حتّى يطيب السعي في مناكب الحياة

أهلًا، أكتب الآن هذه الكلمات وأنا لست متأكدة تمامًا عمّا سأحدثكم عنه ولكن عنوان التدوينة خطر لي وشعرت أن لديّ ما أحكيه حول ما ساعدني ويساعدي خلال رحلتي في هذه الدُنيا آملةً أن ما سأكتبه قد يأنس به أحدًا ما.. لم يمضي سوى بضعة أشهر منذ وقفت لجنة مناقشة رسالتي الماجستير معلنةً نجاحي بفضل الله ولم أعتد بعد على فكرة أننّي لست طالبة جامعية بعد الآن.. أدركت هذه الأيام أننّي -وللمرة الأولى ربما- لا أنتظر انتهاء فصلٍ دراسي ولا إجازة ولا عودة لمكان أو ذهابٍ إليه..

أن لا أنتظر.. يالها من رفاهيّة! بالطبع في ظل المعايير الاجتماعية والضغوطات الاقتصادية ومفهوم “نعم! أنت تستطيع” الذي تجرعناه منذ الصغر ليس من السهل أن لا تنتظر.. ولا أستطيع القول أننّي لا أنتظر على الإطلاق بالطبع لدي تطلعات وآمال ولكنني أصبحت أعي كم يستهلك منّا الانتظار عندما نجعله الفكرة الأساسية لحياتنا.. نعم أنتظر ولكنني أعلم أن ما انتظره قد لا يكون أو يحدث كما أتوقع.. ربما ليس هو الخيرة التي قدّرها الله لي.. أو قد يحدث تمامًا كما أود ولكن ثمن حدوثه ليس هيّنًا.. أنتظر ولكن أحفل بوضعي ووقتي الحالي ولا أهبه كلّه لعبء الانتظار. كتبت منذ فترة: الحياة الطيبة ليست سلسلة من الانتظارات. أحب مصطلح (الحياة الطيّبة) أتأمله منذ قرأت اقتباسًا يقول: “لم تكن حياةً سعيدة ولكنها كانت حياة طيبة”.. من المريح أن ندرك أنّه لا بأس أننا لا نتقافز فرحًا طوال الوقت ولكننا مع ذلك بخير وحياتنا بكل ما فيها طيّبة.. أن نسعى لحياةٍ طيبة وليس سعيدة يعني أن لا نشعر بالذنب أو الغضب إزاء حزننا أو إحباطنا بل نستقبلهم ونحسن ضيافتهم بالصبر ونشكرهم على ما أحضروا لنا في جعبتهم من دروس.. أن نعيش لحياةٍ طيبة.. حياة هادئة.. ولا نشعر بحاجة لتوثيقها للمتابعين أو الأصدقاء القدامى لنخبرهم أننّا سعداء.. الإيمان بالحياة الطيبة يعطينا الاتزان الذي نحتاجه فلا ننكر وجود الهموم التي تصيبنا ولا ننغمس بالعدمية والإحباط.. نعم خُلِق الإنسان في كَبَد ولكن هناك سبيل لحياة طيبة وعدها الله لمن يعمل صالحًا.. أن نسعى لحياة طيبة بعملٍ صالح وأن نفتح قلوبنا لأقدارنا ولا نضيّق علينا اتساع الحياة بحصرها بتخيّل واحد ونجزم أن سعادتنا فيه فقط..

ممتنة كثيرًا لكل كلمة قرأتها يومًا وألهتمني وفتحت أفاقًا كبيرة لي.. نعيش عصرًا يسهل فيه إيجاد الإلهام.. كم أنا شاكرة لكل من يشارك فكره وتجاربه في فضاء الانترنت.. أبحث عن الإلهام دائمًا خصوصًا حين أمرّ بفترة عصيبة وأجدد روحي بالأفكار الخلّاقة في كل مرة أتوه فيها عن نفسي.. أتوه ولكن لا أبحث عن عنوان.. فقد حرّرت نفسي من العناوين وما تُشعرني به من ضغط.. لا أشعر بأهمية الإشارة لمؤهلاتي العلمية مثلًا، أو لأي معلومة شخصية عنّي حين لا يكون هناك داعٍ حقيقي لذلك.. أنا موجودة ومهمّة دون أن يكون تخصصي الجامعي وجهًا لهويتي أو تنقلاتي على كوكب الأرض ما يميزني.. أشعر بالاختزال كلما وُضُعت في هذين الإيطارين.. ناهيك عن الإيطارات الأكثر سطحية منهما.. أذكّر نفسي بأنّني لا أحتاج للBio في صفحات التواصل الاجتماعي.. وأن “سيرتي الذاتية” أطول وأعمق ولا يكفيها المكان الضيّق الذي خُصص لها في عالم إفتراضي يريد تحويلنا لقوالب جاهزة.. وأتسآءل أحيانًا بيني وبين نفسي عن مدى اهتمامي لفكرة وضع اسمي في الأبحاث التي أكتبها مقابل إيماني بأنّ الخير يكمن في الأثر والسعي لا بالإشادة والتقدير..

أقوم بمسآئلة وتقييم أفكاري ومشاعري طوال الوقت حتى أكون واعيةً بذاتي.. أن نعي ذواتنا فلا نغتر بأنفسنا ولا نُخدع بحيل عقلنا الدفاعية يحثّنا على تصويب وتحسين أنفسنا.. وينجينا من أن نظلمَ أو نُظلم.. فأحيانًا نكون بحاجةً لأن نقف بصرامة مع أنفسنا وأحيانًا أخرى يكون علينا أن نرعاها ونطبب جراحها.. ولا تطبيب أنفع من الإيمان والإتصال بالله عز وجل.. ولا حل أسمى من اتّباع الهدى.. ليس في جراح أرواحنا فحسب بل في حياتنا وتعاملاتنا اليومية.. نعيش واقعًا مليئًا بالقضايا والمشاكل وجدالات لا تنتهي حولها.. ربما ليس من النافع أن نستنزف أنفسنا فيها.. ولكن أعتقد أنّه من الواجب علينا في حق أنفسنا على الأقل أن نبحث عن الصواب.. لم يكرمنا الله بالاسلام حتى نترك مسافة هائلة بين حياتنا وإيماننا.. في كل مرة أتعلم أمرًا جديدًا في ديننا أو سيرة رسولنا عليه الصلاة والسلام أشعر بالامتنان والاطمئنان أيضًا.. وليس هناك أولى من هذا العلم.

حسنًا، سأنهي حديثي بشكركم على القراءة وتمنياتي لكم بسعيٍ طيّب.

ماذا قرأت في ٢٠٢٠؟

مرحبًا يا أصدقاء، أتمنى أن تكونوا في أتمّ صحة وأحسن حال😄 ها قد شارفت هذه السنة الغريبة بحلوها ومرّها وخططها المُلغاة على الانتهاء، وخطر لي أن أشارككم الكتب التي قرأتها خلالها مع انطباعاتي عنها. كم أتمنى لو كنت دودة كتب لكنّي لست كذلك، لا أخفيكم سرًّا أنني منذ عدة سنوات أبذل جهدًا حتى أبدأ بقراءة كتابٍ ما لدرجة أنني في فترةٍ ما -حتى أجعل ضميري يرتاح- كنت أقنع نفسي أن الكتب ليست المصدر الوحيد للمعرفة ولا بأس بالاكتفاء بقراءة المقالات والاستماع للبودكاست والمحاضرات ولكنني أدركت أنّه لا غنى لنا عن الكتب. في الواقع، أجد أن للقراءة من الكتب فوائد تتعدّى المعرفة أو التسلية.. فالكتب الآن هي الشيء الوحيد الذي يمكنك الاطلاع عليه دون أن يتم تشتيتك بالاعلانات المنبثقة والصور ذات الألوان الصارخة ولن تجد رابطًا للنقر عليه قبل اتمامك الجملة التي تقرأها😅 أعيد قراءة الجملة عدة مرات أحيانًا حتى أستوعبها فقد اعتدت على القراءة السريعة دون تركيز. أتخيّل القراءة من الكتب كتمرين الإطالة ولكن للعقل، تحتاج لقدرٍ أعلى من التركيز وإن أهملتها ستُصاب بشدٍ عضليّ في عقلك😣

حسنًا أعتقد أنّ هذه المقدمة أصبحت طويلة بما يكفي لننتقل للكتب الآن وبعض من تعليقاتي الخاصة عليها (ليست تقييمات ولا مراجعات):

السماح بالرحيل: كنت قد بدأت بهذا الكتاب قبل بداية سنة ٢٠٢٠ ولكنني توقفت وعدت لقراءته واعتقدت أنّه سيساعدني حين كانت الجائحة في بداياتها. حاز هذا الكتاب على الكثير من المديح في شبكات التواصل الاجتماعي لكن بالنسبة لي كان جيدًا في نصفه الأول ثمّ شعرت أنّه ممل وفيه الكثير من التكرار. مأخذي الآخر عليه احتواءه على أفكار مُضلّلة من العلوم الزائفة عن الطاقة والذبذبات والتشافي بالأفكار.

في مديح البطء: حراك عالمي يتحدى عبادة السرعة: منذ فترة لا بأس بها وأنا أفكّر بمسألة البطء والسرعة في حياتنا وقد ذكرت ذلك في تدوينة سابقة. كما أنّ أحداث هذا العام والحجر المنزلي جعلتني أفكر بأهمية التّخلص من الكثير من المعتقدات المتجذرة فينا والتي تحثنا على إنجاز كل شيء في أسرع وقت. تناول هذا الكتاب فكرة البطء وأهميتها وصورها في جوانب مختلفة من الحياة. كما تحدّث الكاتب عن حركة البطء ولقاءاته مع أتباعٍ لها. أحببت هذا الكتاب واستمتعت بقرائته خصوصًا فصل الطعام البطيء والمدن البطيئة في إيطاليا.

مصيدة التشتت: كيف تركز في فوضى العالم الرقمي: ذكرت هذا الكتاب والذي يليه في تدوينتي السابقة. يشرح لنا هذا الكتاب كم نحن مشتتون ذهنيًا بسبب وسائل التواصل الاجتماعي ونصائح حول تبني عادات إيجابية في استخدام هذه الوسائل، ويتضمن أيضًا تمارين وأسئلة في آخر كل فصل كوسيلة عملية لحل هذه المشكلة.

ملاحظات حول كوكب متوتّر: أيضًا يتحدث هذا الكتاب عن أثر وسائل التواصل الاجتماعي علينا بأسلوبٍ صادق وبسيط استمتعت بقراءته ورأيت نفسي في كثيرٍ من حديث الكاتب عمّ يفكّر ويشعر به بسبب وسائل التواصل الاجتماعي. يتسآءل الكاتب عن إمكانية العيش في عالمٍ مجنون دون أن نُصاب بالجنون أيضًا؟ الجميل في هذا الكتاب أنّه مكوّن من مقالاتٍ قصيرة ممّ يجعل قراءته سهلة.

الماجريات: عنوان هذا الكتاب وحده مثير للاهتمام ويستحق التأمل. أعجبني كثيرًا كونه يتحدّث عن فكرة الانشغال بمتابعة الأخبار والأحداث والتفاعل معها من وجهة نظر دينية. أؤمن أنّ ديننا الإسلامي دين حياة متكامل وليس دين مناسك تؤدى بالمناسبات فقط، وعلينا أن نبحث عن رأي الإسلام في كافة جوانب حياتنا حتى نصل للطريق الحقّ ونجتهد في السير عليه.

حليب أسود: أحببت هذه السيرة الذّاتية كثيرًا، لإن الكاتبة سردت تجربة حقيقية بعيدة عن الصورة المثالية للأمومة التي روّج لها كثيرًا حتى أصبح الناس يعتقدون أن الأم كائن ملائكي كامل لا يشعر حتى بالتعب. أكثر ما أعجبني في هذا الكتاب هو تشبيهات إلف شفاق الظريفة وتصويرها لجوانب شخصيتها كإمرأة بنساء صغيرات بعضهنّ مشاكسات ويتشاجرن كلما اجتمعن، لامسني هذا التشبيه وجعلني أتخيّل نسائي الصغيرات اللّاتي داخل رأسي😄 كما ذكرني هذا الكتاب بكتابٍ أحببته قد قرأته قبل عامين اسمه كيف تلتئم: عن الأمومة وأشباحها.

لو أبصرت ثلاث أيام: أردت قراءة هذا الكتاب منذ فترة طويلة. كما يوحي عنوانه تتحدث هيلين كيلر فيه عن ما تريد رؤيته لو أصبحت قادرة على الرؤيا لمدة ثلاث أيام وسردت فيه تفاصيل لا نقدّرها بمَ يكفي لإننّا معتادون على نعمة البصر.

قضية المرأة بين التحرير والتمركز حول الأنثى: خيّب هذا الكتاب آمالي فيه، فالفكرة الوحيدة التي كانت مثيرة للاهتمام هي فكرة المناداة بحقوق العائلة عوضًا عن حقوق المرأة ثم حقوق الطفل. أمّا بقية الكتاب فكان غالبه هجومًا وإلقاءًا للتهم على النسويات كأشخاص ومثل هذا الأسلوب لا يفيد ولا يكفي وأظن أنّه على العكس يُضعف موقف صاحبه وإن كان محقًّا.

شكرًا لقراءتكم وأتمنى لكم عامًا سعيدًا مليئًا بالرضا والبركة😇

خمس أمور حسّنت من جودة حياتي

سلام! في هذه التدوينة لخّصت خمس أمور أو مفاهيم غيّرتني وغيّرت حياتي للأفضل. بالطبع لقد أخذ هذا التغيّير وقتًا يمتد من أشهر لسنوات وغالبًا لم يكن حتّى متعمدًا، أي أنّي بدأت به دون وضع توقعات أو انتظار نتائج محددة ممّ جعله يتبلور في ذهني وحياتي ببطء ولكن بثبات. لا أدّعي أنّني جيدة في إسداء النصائح ولست جيدة جدًّا بالتعبير عن أفكاري بالكتابة ولا زلت أشعر ببعض الإحراج حين أقرأ كتاباتي السابقة ولكنّ لا بأس من المحاولة على أية حال، لذلك اعتبروا ما ستقرأوه مجرد حديث بسيط من شخص يودّ نشر بعضٍ من الفوائد التي وجد أثرها في نفسه. والآن فلنبدأ!

١- التخفّف/ التقليليّة/ Minimalism:

تعرّفت على هذا المفهوم قبل ما يقارب الثلاث سنوات حين شاهدت وثائقي يعرّف به ويحكي عنه وقد أثار اهتمامي منذ ذلك الوقت، وانتبهت لمدى غرقنا بالاستهلاكية وتعلقنا الغير صحّي بالماديات الذي نحاول غير مدركين أن نملأ به فراغًا روحيًا ومعنويًا لا يلبث إلّا أن يزيد حين نملأه بهذه الماديات. نحن مُحاطون بالاعلانات والحث على الشراء وتتبّع آخر المنتجات وصيحات الموضة والمطاعم ووسائل خسارة الوزن والرحلات وعمليات التجميل والدورات التطويرية و.. -القائمة لا تنتهي- التي تعدنا بالسعادة حين نقوم بشرائها لدرجة بالكاد نستطيع تجنّب هذه الإعلانات. الحديث طويل وعميق عن هذا المفهوم الذي في الواقع هو تطبيق عملي لمبدأ (الزهد) الذي يحثّنا عليه الإسلام. التخفّف ليس مجرد التخلص من الملابس القديمة أو التوقف عن الشراء.. إنّه إدراك للقيمة الحقيقية للممتلكات المادية في حياتنا وإعطاءها المساحة التي تستحقها معنويًا قبل أن يكون ذلك حسيًّا. إنّه تحرّر من الشعور السلبي الذي ينتابنا حين نشاهد من يكتنز الكثير من الماديات التي تبرمجت أذهاننا على أن نتوق لها وإن كان هذا الاكتناز والاستعراض أصلًا وسيلته لكسب العيش فقد أصبح (لوح الإعلانات) وظيفة للبشر في زمننا الحالي. التخفّف ترتيب للأولويات ووعي بأنّه لا وجود للسعادة التي تعدنا بها الشركات التسويقية. هناك سعادة خاصّة بنا بحسب تعريفنا واحتياجنا لا بأس بأن نشعر بها حين نقوم بشراء شيءٍ ما ونحن واعين بذلك. المحتوى الذي يتحدث عن هذا المفهوم في ازدياد أنصحكم بالقراءة والاطلاع عليه، كما أنّ هناك مدونة لنفس الكاتبين اللّذين قاما بإعداد الوثائقي الذي ذكرته.

٢- الأجندة المكتوبة بخطّ اليد/ Bullet Journal:

أنا شخص مُحبّ للأجندات وأستخدمها منذ ٤ سنوات. كما أنّني أحب قوائم الTo-do منذ صغري. كنت أرى والدتي تكتبها على أوراق التقويم الهجري الذي تضعه في المطبخ وكنت أستمتع بشطب المهمّة التي قامت بها بدلًا عنها D: لا أعتمد على ذاكرتي وأدوّن مواعيدي ومهامي على الورق. أشعر بأن وضع الأفكار على الورق يجعلها أكثر حقيقية وجديّة. مفكرتي هي أول أجندة استخدمتها كنت قد اقتنيتها في event كانت مصممتها روان النسور متحدثة فيه، وقد اتبعت نصيحتها التي دعتنا فيها لتدوين مهام اليوم التالي قبل بدئه. الجميل بالأجندة أنها ليست وسيلة لتنظيم أيامنا فحسب بل أيضًا نوع من التوثيق لهذه الأيام وكيف انقضت. وقد وجدت هذا التوثيق واضحًا أكثر حين قمت بتصميم أجندتي بخط يدي هذا العام الذي اعتمدت فيه على الbullet journaling. لا أذكر تمامًا من أين تعرّفت على هذه الفكرة. هناك الكثير من الفيديوهات التي تتحدّث عنه منها هذا الفيديو لNedal Reads. أودّ أن أنوّه على أنّه ليس من الضروري أن نستخدم الدفاتر المخصصة للbullet journal أي دفتر سيفي بالغرض، أنا شخصيًا استخدمت الجهة الأخرى من نفس الدفتر “الكشكول” الذي أدوّن فيه لدراستي وعند انتهائه استخدمت دفتر عادي آخر. الفائدة نفسها وإن اختلفت وسيلة التطبيق بحسب ما هو متوفّر، حتّى أننّي في الشهور التي كنت مشغولة فيها كثيرًا اكتفيت بجدول أيام الشهر غير متناسق مرسومًا بلونٍ واحد. كنت فيمَ سبق أترك فراغات بالأجندة الجاهزة التي أشتريها لإنني لا أحتاجها، الآن أقوم بعمل الصفحات التي أحتاجها وأزيّنها برسوماتي غير المتقنة التي أستمتع برسمها وتلوينها. شجعتني الbullet journal على السعي لاكتساب عادات لطالما أردت اكتسابها ومجرد الرغبة بتسجيل أننّي قمت بهذه العادة اليوم جعلني أبذل الجهد للقيام بها. كما أننّي أحببت الاحتفاء ببداية كل شهر والتخطيط له بدلًا من فعل ذلك ببداية السنة فقط.

٣- القراءة في علم النفس:

أؤمن بأن علم النفس موضوع يجب أن يتثقّف به الجميع، فكلّنا لنا أنفُس بحاجة للفهم بالنهاية D: وأيضًا نحن مُحاطون دومًا بأشخاص من المفيد كثيرًا أن نحاول فهمهم وفهم علاقتنا معهم وجعلها ناجحة وإيجابية. أنا على اقتناع أن القراءة في علم النفس مجدية ومفيدة أكثر من كتب تطوير الذات خصوصًا أنّ الكثير منها ذات محتوى تجاري وسطحي. أعتقد أنّ مواضيع مثل الحيل النفسية الدفاعية، كيف تؤثر نشأتنا على تفكيرنا وطباعنا، الاضرابات النفسية بأنواعها ودرجاتها، تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، التربية.. مواضيع مهمة يجب على الجميع أن يكون على معرفة بها. ساعدني اطلاعي في علم النفس كثيرًا وأراه علمًا ممتعًا. هناك الكثير من الصفحات الثرية المتخصصة على الإنترنت ولكننا بحاجة لمزيد من المحتوى العربي في هذا المجال. أرشح لكم كتب د. محمد طه فهي علمية ولكن بسيطة، كما أنّ محاضرات ومقالات آلان دي بوتون ثرية ومثيرة للاهتمام.

٤- تقنين المتابَعات:

قد يكون هذا الأمر واقعًا ضمن مفهوم التخفف فهو يُعتبر تخفّفًا رقميًا digital minimalism.. فكما أن الماديات أخذت حيزًا كبيرًا في حياتنا أخذت وسائل التواصل الاجتماعي حيزًا ووقتًا وجهدًا كبيرًا منّا. لا زلت أسعى لتقنينها في حياتي ولم أصل لما أطمح له بعد. ولكن أحد الأمور التي أرى أنّها ضاءلت من التأثير السلبي لهذه الوسائل بالنسبة لي هو عدم متابعة كل من هبّ ودب. لا أنكر أننّي أطّلع على بعض من ال”هبّ ودب” عندما أشعر بالملل ولكن لا أتابعهم ولا أتفاعل معهم. بل أتعامل معهم كمن يتصفح مجلة غير مهتم بما تحويه وهو في غرفة الانتظار. كما أننّي لا أتابع أي شخص يقوم بنشر ما هو غير لائق أو مسيء أو مستفز لإنّ الحياة أقصر من إضاعتها بالغضب على شخص لا ولن يعنيني إطلاقًا. يعني بكل بساطة أحرص على بيئتي الرقمية كما أحرص على بيئتي غير الرقمية فتأثير الأولى قد يكون أشد حتّى. صحيح أن هناك أثر سلبي لوسائل التواصل الاجتماعي ولكنني أعتقد أن التعامل معها بوعي يقلل منه ويزيد من أثرها الإيجابي. ملاحظات حول كوكب متوتر ومصيدة التشتت كتابان مفيدين حول التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي. أيضًا Matt D’Avella يقوم بالتجارب والحديث عن هذا الأمر في قناته.

٥- التوقف عن اتّباع الحميات:

حسنًا.. هذا الموضوع بحاجة لتدوينة خاصة به بحكم أنّه تخصصي الدراسي أشعر أنّ لديّ الكثير لقوله ولكنني سأختصر. مثل الكثير كنت قد قمت ببعض الحميات وخسرت بعضًا من الوزن الذي كنت أعود لاكتسابه حين أتوقف عن هذه الحميات.. أذكر أننّي مررت بفترة أصبح لدي فيها بعض من أعراض اضطرابات الأكل ولحسن حظي كنت قد قرأت عنها على موقع تمبلر (شكرًا للأشخاص الذين يكتبون عن تجاربهم) وتداركت الأمر. توقفت عن اتباع الحميات لإن تناول الأكل والشهية الجيدة نعمة ليس من الطبيعي أن نشعر بالذنب اتجاهها ولكن بسبب صناعة الرشاقة والرجيم أصبحنا نرى الغذاء كوعاء للمغذيات nutrients فحسب وهو ما يعرف ب nutritionism.. أصبحت أعتمد على شعوري بالجوع والشبع وأحاول الاستماع لجسدي يُطلق على هذا النوع من النمط الغذائي (الأكل الحدسي initutive eating) وهو ليس رجيمًا جديدًا هذا ما قامت به الأجيال السابقة التي -ياللمفاجئة- لم تعاني مما نعانيه من نسب السمنة والأمراض غير المعدية. نعم هناك حالات تحتاج لاتباع حمية ولكن حتى في هذه الحالات يجب أن يُبنى هذا الأمر على أساس الاستمرارية وبناء علاقة صحية مع الطعام والجسد. لكل شخص احتياجاته المختلفة وطبيعة الأجسام تختلف بالطبع، أنا شخصيًا أصبحت أشعر براحة ورضا حين توقفت عن اتباع الحميات وبالتالي أصبح نظامي الغذائي أكثر توازنًا ولم أعد أتناول الطعام لتعويض حرمان. أعتقد أن الكثير منّا بحاجة لإعادة النظر حول علاقتهم مع الطعام ومع صورة جسدهم للوصول لحالة صحية جسدية ونفسية أفضل.

ممتنّة لقراءتكم، والآن حان دوركم أخبروني عن الأمور التي حسّنت من جودة حياتكم..

سورينتو، الهادئة والجميلة

IMG_20181122_224247_867

انتهيت من محاضرتي في أحد أيام نوفمبر ٢٠١٨ الماطرة وركبت القطار من بورتيشي إلى سورينتو مع صديقتي. لم أكن أتوقع أنّها ستكون بهذا الجمال والهدوء. قد يكون السبب عدم وجود السيّاح كوننا في فصل الشتاء لكن مقارنًة بالمدن التي عشت فيها أو زرتها سورينتو هي الأهدأ والأكثر ألوانًا! كانت مليئة بالزهور والأشجار.. وكل شيء يسير برتمٍ بطيءٍ آسر.. بعيد كل البعد عمّ نعيشه بالمدن الكبيرة الصاخبة، تُشعرني المدن الإيطالية الصغيرة بأنّني داخل فيلمٍ قديم، ينام أبطاله باكرًا ويستيقظون مع شروق الشمس، يسرعون في إغلاق محالهم الصغيرة عند هطول المطر، ويتشاركون الأخبار والنميمة والأحلام. لم أصوّر كثيرًا في سورينتو ولم أأخذ كاميرتي معي، أردت أن “أعيش اللّحظة” لكننّي لم أقاوم ألّا أصوّر أبدًا وفي كل مرة أضع هاتفي في حقيبتي أعود لإخراجه سريعًا.. لا أعلم هل يتناقض أخذ الصور لما نراه مع شعورنا به في نفس اللّحظة؟ أحاول أن أوازن دائمًا بينهما وألّا أرى الأشياء عبر شاشة هاتفي فقط، لكن الصور التي ألتقطتها تعيدني دائمًا للحظات التي صوّرتها وتجعلني أعيشها في كل مرة أراها.

IMG_20191119_234810_784IMG_20191120_001348_266

تُعد سورينتو أحد مدن اللّيمون الممتدة على ساحل أمافالي جنوب إيطاليا، تشتهر هذه المدن بوجود الكثير من أشجار اللّيمون والحمضيات التي قطفت صديقتي منها لنا -رغم إتهامي لها بالسرقة-، حتى محال التذكارات والهدايا مليئة بمنتجات مصنوعة من اللّيمون أو مزينة برسوماته. في طرف سورينتو نستطيع رؤية البحر.. حين رأينا هذا الدرج أصرّت صديقتي على أن ننزله ونذهب إلى حافّة المدينة لرؤية البحر عن قرب، لم أتشجّع لفعل ذلك وسررت حين رأينا أنّ أحد الأبواب الموجودة عليه كان مغلقًا. تجولنا في الشوارع حتى رأينا مدخلًا لحديقة جميلة إلتقطنا فيها الصور واكتشفنا فيما بعد أنها حديقة لنُزل للزوّار.

IMG_20191120_000859_212

تجولنا في سورينتو حتى تعبنا من المشي وكنّا قد قررنا أننّا بالطبع سنعود مرة أخرى -لم نفعل ذلك-. لم نزر متحفًا أو نشاهد معلمًا تاريخيًا لكنّني استمتعت كثيرًا فيها.. ببساطتها وألوانها الخلّابة، بالمشي تحت المطر وتناول البطاطا الساخنة والإحتماء بمظلّات المحال التجارية التي أغلقها أصحابها لسوء الطقس، بترحيب الإيطاليين اللّطيف، وبالهدوء الذي كنت أفتقده ليس في مدينة نابولي حيث كنت أقطن فحسب بل داخل رأسي أيضًا. في المدن الكبيرة يركض الناس طوال الوقت للّحاق بشيءٍ ما، وتركض أنت معهم حتى وإن لم تكن مستعجلًا مثلهم. تتعالى الأصوات واللّغات وأبواق السيارات حتّى تكاد لا تسمع نفسك، اعتادت أقدامي المشي بسرعة ولا أتباطئ إلّا إذا تذكّرت أو ذكّرتني صديقتي أنّني لست في عجلةٍ من أمري. لماذا أشعر أننّي في سباقٍ لا ينتهي، لا أفوز أبدًا، ولا أخسر حتّى، بماذا ألحق؟ ليس هناك وقت للتّفكير بذلك أصلًا.. عليّ أن أمشي بخطواتٍ سريعة، دون أن أتعثّر، أو ألتفت لجانبيّ الطريق.. الحياة في هذه المدن تُجسّد ركضنا ولهاثنا للوصول بأسرع وقتٍ ممكن، فنُزيح وجهنا ونعبر الطريق دون أن نعي أننّا نفوّت الكثير أو حتّى نركض في الاتجاه الخاطئ. أعتقد أننّا نحتاج أن نذهب لزيارة أحد المدن الهادئة من حينٍ لآخر، لنتذكّر أننّا لسنا في عجلة من أمرنا ونسير بهدوء ونستمتع بجانبيّ الطريق، أو نغيّره، أو أن نقف لالتقاط أنفاسنا، أو بعض اللّيمون.  

IMG_20191120_000139_327
بوابة الحديقة

IMG_20191120_000316_711IMG_20191120_000819_786IMG_20191120_000505_791IMG_20191120_002230_931

 

 

 

 

 

في المسجد الأقصى

DSC_0061 (1)

على خلاف تدوينتي السابقة لن أذكر معلومات تاريخية فلست أهلًا لذلك، أحببت فقط أن أشارككم بعض مشاعري ومشاهداتي حين -لحُسن حظي- زُرت المسجد الأقصى. كُلّي أمل ورجاء من الله أن يستطيع المسلمون من كل بقاع العالم زيارة قِبلتهم الأولى.

قدمت للحصول على تصريح للدخول إلى القدس وسررت كثيرًا لقبوله! كم تحمل هذه الجملة من سعادة وأسى في الوقت ذاته، تمامًا كما حمل قلبي من مشاعر متناقضة حين وصلت إلى هناك، وتجوّلت في رحاب المسجد الأقصى وأزقة الخان. في أواخر مارس 2018 استقلت حافلة الرحلة من نابلس إلى القدس. استغرق الطريق ما يقارب الثلاث ساعات كما أذكر. تركنا الحافلة خلالها لنعبرالحاجزمشيًا على الأقدام ونُفتش ثمّ انتظرناها قُرب جدار الفصل العنصري لتقلنا بعد ذلك لباب الساهرة. لسور القدس إحدى عشر بابًا، منها ما هو مفتوح ومنها ما يُغلقه الإحتلال.

DSC_0018
قبة الصخرة من جبل الزيتون

DSC_0004

أثناء المشي للمسجد الأقصى عبرنا الخان ورأينا محلاته التي تبيع كل شيء تقريبًا، الطعام، والحلوى والملابس، والهدايا، وطبعًا التذكارات الدينية الإسلامية والمسيحية. كم أحببت باعة الخان المقدسيين، أغلبهم كبار في السن، لطيفين مثل كل باعة الأماكن التي يقصدها السيّاح لكن تميّزهم عفويةأهل زمانوأحاديثهم الطريفة. سمعتني أحد الباعة أنا ورفيقتيّ اللطيفتين أثناء حديثنا عن اللّغة وقاطعتنا لتخبرنا عن أهمية اللغة العربية والتحدّث بها وأنّ هذا المكان لنا وليسلهم”. بالحديث عن اللغة، حين وصلنا للمسجد الأقصى سألنا جنود الإحتلال عنالتصريحبلغة عربية مُتقنة. يربكني سماع العربية من جنود الإحتلال عند حديثهم ومحاولتهم المزاح معي أثناء التأكد من أوراقي خلال سفري من وإلى فلسطين. حين تراهم منتشرين بأسلحتهم حول المسجد وبوابته لا تملك إلّا أن تقول في قلبك “اللّهم أشكو إليك ضعف قوّتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس..

DSC_0041DSC_0039DSC_0043DSC_0035DSC_0045DSC_0049DSC_0054DSC_0053DSC_0047DSC_0046

حين تصل لباحة المسجد الأقصى ترى زوارًا من كافة بقاع العالم، حين شاهدت منظره المهُيب والآسر انتابني نفس شعوري حين رأيت الكعبة لأول مرة. إلتقطت الكثير من الصور كما هو واضح، ثمّ دخلت لقبة الصخرة فموعد صلاة الظهر كان قد اقترب. سحرتني التفاصيل والزخارف الإسلامية وشكل القبّة من الداخل. تختلف الأقاويل حول الصخرة الموجودة أسفلها.. بالمناسبة شكرًا للمرأة التي أعطتني كرسيّها حتى أصعد عليه وأستطيع رؤيتها وتصويرها.

DSC_0075DSC_0141DSC_0096DSC_0100DSC_0099DSC_0105DSC_0110 (1)DSC_0109 (1)DSC_0112DSC_0124DSC_0116DSC_0126DSC_0131DSC_0134

بعد انتهاءنا من صلاة الظهر، اجتمعنا مع مُرشدنا الذي أخبرنا بالكثير من المعلومات والقصص حول المسجد الأقصى. تجولنا بمسجد قبة الصخرة أثناء حديثنا ثمّ نزلنا وصلينا في المصلّى السفلي، بعد ذلك ذهبنا إلى الجامع القِبْلي وتجوّلنا في أرجائه. ثمّ عدنا لنصلّي العصر في قبة الصخرة، بعد صلاة المغرب أُضيئت قبة الصخرة في منظرٍ ساحر بجانب القمر.

DSC_0142DSC_0148DSC_0156DSC_0163DSC_0168DSC_0167 (1)IMAG4841IMAG4859IMAG4875

ألبيروبيلو، قرية الترولّي.

DSC_0497

أخبرتني صديقتي أنها تودّ زيارة باري وألبيروبيلو.. أجبتها بعد بحث سريع على قوقل “I’m Innn” ليس لإنّي هذا النوع من الأصدقاء فحسب، بل لإننّي كنت أنوي زيارة مدينة جديدة بعد انتهاء امتحاناتي في منتصف يناير الماضي. ألبيرويلو بلدة تقع في مقاطعة باري في إقليم بوليا جنوب إيطاليا. 

DSC_0548.jpg

لم أسمع عن قرية الترولّي في ألبيروبيلو من قبل، بالرغم من أنّها مُصنفة من قِبل اليونيسكو كأحد المواقع الأثرية في العالم. هناك شعور ساحر عند زيارتك لأماكن لم تكن تعلم بوجودها وتتعرّف على قصصها الفريدة. الترولّي هو اسم هذه الأكواخ الجميلة، الكوخ الواحد يُدعى ترولّو.

DSC_0549

DSC_0512

تُشير الأبحاث إلى أنّ بناء الترولّي تمّ على يد مستوطنين جُدد لهذه المنطقة ليستطيعوا تفكيكها بسرعة للتّهرب من دفع الضرائب لحكومة مملكة نابولي التي حكمت المنطقة خلال فترة 1309م إلى 1343م. لكن معظم المؤرخين اتفقوا على أن استخدام الحجر الجيري في بناءها كان بسبب طبيعة المنطقة الجغرافية التي كانت وفيرة به.  في منتصف القرن السادس عشر كان قد تم بناء 40 ترولّو فقط. عدد الترولّي اليوم يصل إلى 1030 ترولّو. تُستخدم بعض الترولّي حاليًا كمحال لبيع التذكارات وبعض الأطعمة كالباستا المصنّعة يدويًا.

DSC_0533.jpg

DSC_0513DSC_0495

تدُل الرموز المرسومة على الترولّي على معاني دينية مختلفة.

DSC_0519.jpg

DSC_0535

أترككم مع المزيد من الصور..

DSC_0538

DSC_0515

DSC_0487

DSC_0546

DSC_0516 (1)

DSC_0561
كنيسة القدّيس أنتوني بادوا.

DSC_0552