حتّى يطيب السعي في مناكب الحياة

أهلًا، أكتب الآن هذه الكلمات وأنا لست متأكدة تمامًا عمّا سأحدثكم عنه ولكن عنوان التدوينة خطر لي وشعرت أن لديّ ما أحكيه حول ما ساعدني ويساعدي خلال رحلتي في هذه الدُنيا آملةً أن ما سأكتبه قد يأنس به أحدًا ما.. لم يمضي سوى بضعة أشهر منذ وقفت لجنة مناقشة رسالتي الماجستير معلنةً نجاحي بفضل الله ولم أعتد بعد على فكرة أننّي لست طالبة جامعية بعد الآن.. أدركت هذه الأيام أننّي -وللمرة الأولى ربما- لا أنتظر انتهاء فصلٍ دراسي ولا إجازة ولا عودة لمكان أو ذهابٍ إليه..

أن لا أنتظر.. يالها من رفاهيّة! بالطبع في ظل المعايير الاجتماعية والضغوطات الاقتصادية ومفهوم “نعم! أنت تستطيع” الذي تجرعناه منذ الصغر ليس من السهل أن لا تنتظر.. ولا أستطيع القول أننّي لا أنتظر على الإطلاق بالطبع لدي تطلعات وآمال ولكنني أصبحت أعي كم يستهلك منّا الانتظار عندما نجعله الفكرة الأساسية لحياتنا.. نعم أنتظر ولكنني أعلم أن ما انتظره قد لا يكون أو يحدث كما أتوقع.. ربما ليس هو الخيرة التي قدّرها الله لي.. أو قد يحدث تمامًا كما أود ولكن ثمن حدوثه ليس هيّنًا.. أنتظر ولكن أحفل بوضعي ووقتي الحالي ولا أهبه كلّه لعبء الانتظار. كتبت منذ فترة: الحياة الطيبة ليست سلسلة من الانتظارات. أحب مصطلح (الحياة الطيّبة) أتأمله منذ قرأت اقتباسًا يقول: “لم تكن حياةً سعيدة ولكنها كانت حياة طيبة”.. من المريح أن ندرك أنّه لا بأس أننا لا نتقافز فرحًا طوال الوقت ولكننا مع ذلك بخير وحياتنا بكل ما فيها طيّبة.. أن نسعى لحياةٍ طيبة وليس سعيدة يعني أن لا نشعر بالذنب أو الغضب إزاء حزننا أو إحباطنا بل نستقبلهم ونحسن ضيافتهم بالصبر ونشكرهم على ما أحضروا لنا في جعبتهم من دروس.. أن نعيش لحياةٍ طيبة.. حياة هادئة.. ولا نشعر بحاجة لتوثيقها للمتابعين أو الأصدقاء القدامى لنخبرهم أننّا سعداء.. الإيمان بالحياة الطيبة يعطينا الاتزان الذي نحتاجه فلا ننكر وجود الهموم التي تصيبنا ولا ننغمس بالعدمية والإحباط.. نعم خُلِق الإنسان في كَبَد ولكن هناك سبيل لحياة طيبة وعدها الله لمن يعمل صالحًا.. أن نسعى لحياة طيبة بعملٍ صالح وأن نفتح قلوبنا لأقدارنا ولا نضيّق علينا اتساع الحياة بحصرها بتخيّل واحد ونجزم أن سعادتنا فيه فقط..

ممتنة كثيرًا لكل كلمة قرأتها يومًا وألهتمني وفتحت أفاقًا كبيرة لي.. نعيش عصرًا يسهل فيه إيجاد الإلهام.. كم أنا شاكرة لكل من يشارك فكره وتجاربه في فضاء الانترنت.. أبحث عن الإلهام دائمًا خصوصًا حين أمرّ بفترة عصيبة وأجدد روحي بالأفكار الخلّاقة في كل مرة أتوه فيها عن نفسي.. أتوه ولكن لا أبحث عن عنوان.. فقد حرّرت نفسي من العناوين وما تُشعرني به من ضغط.. لا أشعر بأهمية الإشارة لمؤهلاتي العلمية مثلًا، أو لأي معلومة شخصية عنّي حين لا يكون هناك داعٍ حقيقي لذلك.. أنا موجودة ومهمّة دون أن يكون تخصصي الجامعي وجهًا لهويتي أو تنقلاتي على كوكب الأرض ما يميزني.. أشعر بالاختزال كلما وُضُعت في هذين الإيطارين.. ناهيك عن الإيطارات الأكثر سطحية منهما.. أذكّر نفسي بأنّني لا أحتاج للBio في صفحات التواصل الاجتماعي.. وأن “سيرتي الذاتية” أطول وأعمق ولا يكفيها المكان الضيّق الذي خُصص لها في عالم إفتراضي يريد تحويلنا لقوالب جاهزة.. وأتسآءل أحيانًا بيني وبين نفسي عن مدى اهتمامي لفكرة وضع اسمي في الأبحاث التي أكتبها مقابل إيماني بأنّ الخير يكمن في الأثر والسعي لا بالإشادة والتقدير..

أقوم بمسآئلة وتقييم أفكاري ومشاعري طوال الوقت حتى أكون واعيةً بذاتي.. أن نعي ذواتنا فلا نغتر بأنفسنا ولا نُخدع بحيل عقلنا الدفاعية يحثّنا على تصويب وتحسين أنفسنا.. وينجينا من أن نظلمَ أو نُظلم.. فأحيانًا نكون بحاجةً لأن نقف بصرامة مع أنفسنا وأحيانًا أخرى يكون علينا أن نرعاها ونطبب جراحها.. ولا تطبيب أنفع من الإيمان والإتصال بالله عز وجل.. ولا حل أسمى من اتّباع الهدى.. ليس في جراح أرواحنا فحسب بل في حياتنا وتعاملاتنا اليومية.. نعيش واقعًا مليئًا بالقضايا والمشاكل وجدالات لا تنتهي حولها.. ربما ليس من النافع أن نستنزف أنفسنا فيها.. ولكن أعتقد أنّه من الواجب علينا في حق أنفسنا على الأقل أن نبحث عن الصواب.. لم يكرمنا الله بالاسلام حتى نترك مسافة هائلة بين حياتنا وإيماننا.. في كل مرة أتعلم أمرًا جديدًا في ديننا أو سيرة رسولنا عليه الصلاة والسلام أشعر بالامتنان والاطمئنان أيضًا.. وليس هناك أولى من هذا العلم.

حسنًا، سأنهي حديثي بشكركم على القراءة وتمنياتي لكم بسعيٍ طيّب.

Join the Conversation

2 Comments

أضف تعليق